15‏/10‏/2017

التفكيرالنقدي - من تجربة أكاديمية مبتعثة ١


بسم الله الرحمن الرحيم 



بعد انقطاع عدت لكم بهذه السلسلة التي سأذكرفيها بعض المهارات الأكاديمية التي استفدت منها في جامعة ليدز، وإنني قد وجدتها من المهارات التي من المفيد جداً أن أمارسها في حياتي بشكل عام وليس في المجال الأكاديمي فحسب لذلك أحببت أن أشارككم إياها. وهذة السلسلة  ليست عبارة عن مقالات علمية عميقة بقدر ما هي مجرد لفتة لتجربة كما ذكرت من وجهة نظري الخاصة ( التي تحتمل الخطأ و الصواب) فهي قد تهم من يعمل أو يدرس في المجال الأكاديمي وكذلك غيره من القطاعات. 

سأقسم المقالة إلى عدة أقسام : ماهية المهارة ومامدى أهميتها، تقييم الأستاذة وتعليقاتهم على تكاليفي إن وجدت، ثم كيف ساهمت في تطويرها وأخيراً بعض المصادر والمراجع التي أجدها مناسبة جداً للإستزادة في إتقان هذه المهارة باللغتين الإنجليزية والعربية ، وقد وضعت كل الروابط المهمة باللون الأحمر حتى يسهل الرجوع إليها. 


 أول مهارة وجدتها كانت:  التفكيرالنقدي






 كانت ومازالت من أصعب المهارات التي أبذل فيها مجهوداً كبيراً في تطويرها، و وجدت بأنني أحتاج إلى مزيد من الوقت حتى أسعى إلى تقويتها أكثر خصوصاً أن خلفيتي التعليمية كانت تعتمد على الحفظ ونقل المعلومة دون نقدها على مدى سنين طويلة.  

 فقسم الدراسات الإنسانية وما يندرج تحتها من العلوم ليست عبارة عن معادلة ١+٢=٣. بل لابد فيها من دخول عاطفة الكاتب حتى وإن اجتهد إلى أن يكون محايداً، فمن الأمور" المفروغ منها " أن يكون الباحث موضوعياً وحيادياً لايميل إلى رأي دون آخر. فقد  ذكر بن صغير أستاذ مساعد في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجزائر بأن من أبرز الصعوبات التي تواجه المتخصصين في العلوم الإنسانية هي التحيزات والميولات الشخصية حيث وضّح السبب في ذلك وهو " [...] أنها تهتم بالإنسان كعضو متفاعل في جماعة، وبما أن الإنسان مخلوق غرضي يعمل على الوصول إلى أهداف معينة، ويملك المقدرة على الاختيار، مما يساعده على أن يعدل من سلوكه، فإن مادة العلوم الاجتماعية والإنسانية تتأثر كثيرا بإرادة الإنسان وقراراته" وهنا رابط المقال لمن أراد الإستزادة. وهو كذلك مايؤكده بكار في كتابة تكوين المفكر (٢٠١٠، ص. ١٠٦) بقوله " وأنا دائماً أقول : إن تجرد الناس من أهوائهم وغض طرفهم عن مصالحهم ليس بالأمر اليسير..." لذلك كن يقيظاً عند القراءة أو سماع المعلومات. 

 إذاً ما هو التفكير النقدي

في الحقيقة هناك عدة تعريفات للتفكير النقدي من قبل المتخصصين فمن أراد الإستزادة أنصحه بزيارة قسم المراجع والمصادر التي تمت اضافتها في أسفل المقال.

ولكن بشكل عام جداً أقول بأن ماتعلمته من خلال الدراسة بأن التفكير النقدي هو التعود على تحليل ونقد المعلومات (سواء كانت هذه المعلومة في كتاب، مقالة، موقع الكتروني، أوفي أحد وسائل التواصل الإجتماعي الحديثة  ... وغيرها). عن طريق طرح مجموعة من الأسئلة، مثلاً أن تسأل نفسك بعد سماع أو قراءة المعلومة: من كتب هذه المعلومة؟ ومتى؟ ولماذا؟ وأين؟ هل هي في مجلة علمية موثوقة مثلاً قائم عليها مجموعة من المتخصصين أولا ؟ هل هو يعمل لصالح تسويق جهة معينة أم هدفه هو التوعية ورفع وعي الناس؟ وغيرها من الأسئلة التي ستدلك على ثقة مصدر المعلومة، و بالتأكيد يعتمد طرح نوعية الأسئلة على الموضوع نفسه إن كان يندرج تحت المواضيع العلمية أو الإنسانية أو غيرها، فالمهم أنك لا تُسلِّم بأي معلومة مباشرة حتى تتأكد من وجود الأدلة على صحتها ثم تستطيع وضعها في بحثك بكل ثقة أو تستطيع نقلها للآخرين كذلك بكل ثقة طبعاً مع توثيق المصدر. 

وقد ذكر الأنصاري في كتابة تكوين الذهنية العلمية (٢٠١٢، ص. ٢٩٨)  " بأن النقد يعني التذوق والقدرة على التمييز والتهذيب، ومنها إلى التحليل والتعليل، ومن ثم التقييم، فتربية الملكة النقدية هي الشرط الأول للإبداع، وهي الأساس في الإنتاج المعرفي الفعال...".

بينما عرف عبدالله العطيه في كتابه اصنع أفكارك (١٤٣١ ، ص. ٢٨) بأنه " الحكم على مصداقية وقيمة وصحة شيء ما". 

إذاً أهمية هذا النوع من التفكير في الحقيقة بأنك ستكون واثقاً من صحة المعلومة وستستطيع بالتأكيد من كتابتها ونقلها وأنت مطمئن بحسب جهدك في تقصي المعلومة، كذلك ستكون لديك القدرة على وزن الحجج ووجهات النظرالمختلفة، بالإضافة إلى القدرة على استخدام الأدلة والأفكار لمساعدتك على تشكيل الآراء الخاصة بك. لذلك كانوا الأساتذة يؤكدون بأن التفكير النقدي هو طريقة للتعلم ولكن بعقل مفتوح فقد وضحت لنا دكتورة مادة التدريب على البحث بأن التفكير النقدي يعتبر قلب الدراسة الأكاديمية، وأن تعلم مهاراته ستوصلك إلى نتيجة مرضية عند انتهائك من رسالتك البحثية.

تقييم الأساتذة على بعض من تكاليفي:

كانت أول مادة  في الماسترهي مادة التدريب على البحث، وهي لمن يعرفها مادة مملة لأنها نظرية بحتة ، ولكن في هذا المنهج  قررالأساتذة بأن تكون هذه المادة جامعة بين النظري والعملي. فمثلاً موضوع عن (كيفية كتابة بحث في العلوم الإجتماعية ولكن في نفس الوقت تكون مرتبطة بالناحية الثقافية) كيف  ستواجه كباحث التحديات والصعوبات فيه؟ ثم يكون هناك تكليف في نفس الموضوع ويُقييم عليه  الطالب حتى يعطى التوجيهات المناسبة. في الحقيقة  كانت مادة متعبة جدا ومرهقة خصوصاً أن هذه التكاليف كانت أسبوعية و تُقييم بالدرجات، وبعضها لاتكفيها محاضرة واحدة للشرح لذلك يضاف مايسمى بالسمينار Seminar  الذي يتم فيه نقاش ما استخلصناه من المحاضرة وكيف سنقوم بحل التكليف من خلال مناقشة الزملاء. المفيد  في هذه المادة كان هو التطبيق العملي لمواضيع البحث مع أساتذة متخصصين وأكاديميين بعضهم يحمل درجة علمية عالية.

نعود إلى مهارتنا  فقد كان أول تكليف نقدمه في هذه المادة عن مهارة  التفكير النقدي وقد طلب منا حينها نقد أي مقالة علمية وكتابة ما يقارب ٥٠٠ كلمة بهدف تطوير النقد لدينا. بعد كتابة التكليف كان تقييم الدكتورة لي كالآتي:

“You started this paper quite well but your analysis is at quite a superficial level... note any flawed (or coherent) arguments in what is being presented to you, and grapple with those in a systematic way. A good attempt for a first written task but going forward try to apply more rigorous analysis to your reading...”



ذكرت بأن بداية المقال كانت جيدة ولكن كان تحليلي للمقالة سطحي جداً،  ويجب أن انتبة لأي حجة ماذا تحمل بين طياتها من أفكار، و التصدي لما أراه مخالفاً لوجهة نظري بطريقة منهجية. ولكن كما ذكرت بأنها محاولة جيدة  مني كأول تكليف أقوم به منذ بداية الدراسة، وعليّ أن أكون أكثرصرامة في تحليل ما أقرأ في المرات القادمة. 


وفي المقابل قييم أستاذ آخر على مقال لي كان متعلقاً  بالتفكيرالنقدي في قسم الدراسات الإسلامية:

“ You have devoted a great deal of time and critical thought to your issue, you have persevered even when things were difficult. Your willingness and ability to think critically are great assets”

فبحسب رأيه وجد بإن الجهد الذي بذلته في مناقشة قضية المقال قد أخذت مساراً جيداً، وأن قدرتي على التفكير النقدي كانت عالية نوعاً ما. 

اخترت هذين االتقييمن من بين كثير. فالتقييمات الأخرى كان بعضها مفرحاً جداً ومبشراً بتطوركبير، وبعضها كان عليه بعض الملحوظات التي وجدتها مقنعة حيث أنها تنقصني بالفعل وبعضها غير مقنعة البتة. عموما ً كان بين التعليقين السابقين ما يقارب ٣ أشهر والتعليق الثاني يعتبرهوالأقدم. باعتقادي سبب تفوقي في الموضوع الثاني وجدتني أميل للكتابة فيه و لدي قراءات واسعة عنه  لذلك أصبح من السهولة بمكان أن أنقد وأقرأ وأعلق وأذكر إيجابيات أوسلبيات المعلومة بالدليل والبرهان. بينما التقييم الأول كنت مجبورة على قراءة مقالة متخصصة لم أطلع عليها من قبل ولغتها كانت صعبة ومعقدة والوقت قليل فقط كان لدي يومين على التسليم فأتممت التكليف لأجل اتمامه فقط فكانت هذه النتيجة الغير مرضية.

كيف أساعد نفسي على تطوير هذه المهارة 

في الحقيقة تم اعطائنا دورة مختصرة  تهدف إلى تطوير التفكير النقدي في الماستر والأخرى طلبتها حين وصلني ايميل من الجامعة عن الدورات المجانية ولكن هذا لايمنع من أنني لازلت أبذل جهدي في السعي إلى تطويرها عبر الطرق التي سأذكرها لأن دورة مدتها ساعة  لا تكفي بالنسبة لي.

لا أخفيكم بأن مهارة  التفكير النقدي توصف ب "السهل الممتنع". لأنها تحتاج بالفعل إلى تنشيط العقل جيداً أثناء استقبال المعلومات خصوصاً بأن دراستي السابقة كما ذكرت بشكل عام كانت تعتمد على حفظ المعلومات ونقلها دون نقدها لذلك احتجت إلى مزيد من الوقت لتطويرها. لكن ما زاد اطمئناني هو أستاذي في الجامعة عندما سألني عن مهارة الحفظ هل اتقنتها قلت احتاج إلى وقت بالتاكيد وترديد المعلومة  حتى تثبت لكن تعودت عليها كنظام تعليمي فقال أنا لا أتقن الحفظ لأن التعليم هنا معتمد على مهارة النقد فأنا أريد تطوير ما ينقصني وأنتِ كذلك طوري ما تحتاجين إليه (فلا أحد كامل).  بعيداً تماماً عن الخلاف حول أيهما أهم مهارة الحفظ أم النقد وحضورها في النظام التعليمي؟!

بحثت عن هذه الدورات حتى أستطيع نشرها فقد وجدت واحدة منها متاحه هنا لمن أراد بإمكانه تحميل ملف (PDF ) المتاح في الرابط. أما الدورة التي التحقت فيها ونصحت صديقاتي بها فهي في هذا الموقع الرائع الذي يعطي دروات مجانية في مختلف العلوم وما أعنية هنا هى دورة   النفكير المنطقي والنقدي حيث بالإمكان المشاركة في التعليقات والحصول على شهادة برسوم معينة ولكنها بالإنجليزي فقط. أما بالعربي فقد وجدت في المنصة التعلمية العربية المعروفة رواق كذلك عن مهارات التفكير وتحدث فيها عن مهارة التكفير النقدي تجدونها هنا

 ومن المهم جداً أن تكون هذه المهارة حاضرة من بداية اختيار الموضوع واختيار المراجع والمصادر فليس أي مصدر ومرجع يجب أن يوضع في البحث أو غيره ولكن هذه النقطة سأتحدث عنها بالتفصيل في مهارة الكتابة العلمية،  ما أقصده هنا هو أن تكون ناقد في طريقة الكتابة بمعنى أن لا يكون عبارة عن شرح لما قرأته في المصادر لذلك في معظم الأحيان يذكرون بأن مقالك يميل أن يكون (Descriptive) بمعنى أنه وصفي يخلو من التحليل، وقد وجدت مقالاً بسيطاً يشرح هذه النقطة هنا.  وكذلك من النقاط المهمة هو أن تتعود على نقد المصادر و المراجع نفسها التي ستأخذ المعلومة منها وليس فقط نقلها دون أضافة رؤيتك أو كما يقال ( صوتك الخاص بك) ووجدت كذلك توضيح بسيط لها هنا.  و من المواقع التي استفدت منها كثيراً وأتنمى أن يُنشأ موقع عربي بنفس الفكرة او ما يشابهها حيث توضع بعض العبارات المساعدة في كيفية التحليل النقدي وغيرها من الجمل التي يحتاجها الباحث في بحثه وهو ماقامت به جامعة مانشستر ستجدونها عبر هذا الرابط

أيضاً لخص عبدالله العطيه في كتابه اصنع أفكارك (١٤٣١ ، ص. ٢٩) بأن تطوير هذا النوع من التفكير عن طريق الآتي:

  • التدرب على طرح وجهات النظر.
  • البعد عن التحيز وإصدار الأحكام بلا مبررات. 
  • البحث عن الأسباب.
  • استعمال الأسئلة. 
  • البحث عن التأثيرات.
  • التركيز على الملاحظة.
  

بعض المراجع والمصادر في مهارة التفكير النقدي 

في الحقيقة وجدت بعض المراجع والمصادر بعضها إنجليزي وبعضها عربي، منها مقاطع فيديو صغيرة والقسم الأكبرمنها كتب.

أولاً: المراجع الإنجليزية 

 ١)  هنا مقطع جميل ومختصر في موقع الجامعة يوضح كيف تكون ذو تفكير نقدي جيد سواء في الجامعة أو في الحياة بشكل عام من  وجهات نظر مختلقة من المهتمين مع وجود طريقة في نقد قصاصة إعلانية .  لكن المتحدثة الأولى في هذا المقطع تقول بأن التفكيرالنقدي يعتمد على أمرين رئيسين :  أ) عندما يقول لك أحدهم بأن هذا صحيح وهذا غير صحيح،  فكر أولاً، من القائل؟ ولماذا ؟ وفي أي سياق قال ذلك ؟ وماهي الآثار التي تترتب عليه ؟ بمعنى استعمال العقل لفهم أوسع  بدلاً من الاكتفاء بتصويبها  أو تخطأتها .  ب ) تبدأ بتحليلها نقدياً. هنا بقية المقال الذي وُضع فيه المقطع.  




وهذا كذلك مقطع اخر يشرح لك عن التفكير النقدي


٢)  ومن حسن الحظ أنه في برنامج (Academic English for Postgraduate Studies pre-sessional ) وهو عبارة عن برنامج  يُهيأ الطالب للدراسة الأكاديمية.  قامت بتدرسي الكاتبة Jeanne Godfrey عام ٢٠١٦ ، وقد  أخبرتني عن كتبها التي ألفتها وهي في الحقيقة نافعة جداً لطلبة الجامعة المبتدئين وقد استفدت منها شخصياً ولمن أراد الإطلاع فهي موجودة هنا .

٣) كذلك من الكتب التي اشتريتها مع كتب Jeanne كتاب عن التفكير النقدي، وهو جيد وحجمه صغير ولغته كذلك سهلة مدعومة بالصور، وهذا هو الكتاب الذي أعنيه و اسم الكاتبة هي Kate Williams 

٤) أما هذه الكتب فقد كانت من ضمن المراجع الأساسية المطلوبة في مادة التدريب على البحث تحت موضوع التفكير النقدي رتبتها بالأرقام ١   ، ٢  ، ٣   وأخيراً هذا المرجع الذي يساعد الطلبة على التعلم بأن يكون أكثر كفاءة في تقديم الحجج المنطقية والمستنيرة مع الأمثلة العملية . 


ثانياً: المراجع العربية 

١) مقطع في ( TED- ED) يوضح ٥ نقاط لتطوير التفكير النقدي هو بالإنجلزي حقيقةً ولكن وجدت أن خيارالترجمة باللغة العربية متاحاً. 


٢) من أفضل المواقع التي في الحقيقة لم استغني عنها وساعدني جداً  كان  موقع د. عبدالرحمن حريري،  المهتم بالبحث العلمي وقد كتب مقدمة في التفكير النقدي هنا ، وكذلك لديه مقال آخر اسمه ٢١ سؤالاً تقودك للتفكير النقدي هنا

٣) تكوين المفكر من الكتب المميزة للدكتور عبدالكريم بكار قرأته عام ٢٠١١ ولازلت ممتنة لهذا الكتاب، فقد وضع جزئية متخصصة بالتفكير النقدي ابتدأت من (ص ٩١ -١٠٩) . 

٤) كتاب تكوين الذهنية العلمية دراسة نقدية لمسالك التلقي في العلوم الشرعية لمحمد الأنصاري عام ٢٠١٢ ( وهو كتاب متخصص كما هو واضح من العنوان ) ولكنه خصص فيه كذلك عن أهمية النقد .

٥) دورة مدخل إلى التفكير النقدي في رواق.  

سأكون ممتنة لمن قرأ وأراد إضافة مراجع أخرى وجدها مفيدة  في تطوير مهارة التفكير النقدي لديه.  

وأخيراً اختم بهذه المقولة لمحمد الغزالي . 




والسلام 🌹

س ح ر 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكراً لاضافتك الجميلة.

This Blog is protected by DMCA.com/ هذه المدونة تحت حماية شركة DMCA لحفظ الحقوق من السرقات الأدبية